تابعنا
ببالغ القلق والحيرة ما تسرّب من لقاء جمع مبعوثين "للمجلس الوطني
الليبي"، كممثل للمعارضة، بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تمخّض عنه
أوّل اعتراف رسمي مفاده أن المجلس بات "الممثل الشرعي والوحيد" للجماهير
الثائرة بليبيا. الرئيس الفرنسي الذي حاول وضع جميع الأوروبيين أمام أمر
واقع، مستبقا اجتماع أعضاء الإتحاد، لم يفلح في مساعيه وأثار حفيظة أكثر من
عضو. الموقف الأوروبي غير المتحمّس للانزلاق في رمال الصحراء الليبية سواء
بالتدخّل المباشر أو الدعم العسكري اللوجستي، لم يثن من عزم المسؤولين الفرنسيين الذين وعدوا بتبادل
السفراء مع المجلس الجديد، مجدّدين الدعوة لاتخاذ التدابير الضرورية
والتحلّق حول موقف موحّد من المعارضة ومن الأحداث في ليبيا، حاثّين الجميع
نحو المضي باتجاه فتح قنوات حوار مباشرة مع المجلس الانتقالي وإضفاء
الشرعية عليه. خصوصا أن البريطانيين أعلنوا صراحة أن المعارضين الليبين
ليسوا إلاّ "محاورين شرعيين". وبما أن "المملكة المتحدة تعترف فقط بالدول
لا بالحكومات"،كما ورد عن وزارة خارجيتها، فإنّ المجلس الليبي لن ينال
"الشرف" الفرنسي وسيظلّ مجرّد محاور من بين قائمة طويلة من المحاورين، من
ضمنها القذافي نفسه.
لسنا
في باب المزايدات الرخيصة على من يكتوون بنيران كتائب الطاغية وتنكيل
مرتزقته، و لا بصدد كيل الاتهامات جزافا على الثوار الذين يقاتلون على أرض
مكشوفة ودون عمق استراتيجي وفي ظل انعدام توازن عسكري يحول دون حسم سريع لمعركة
يُراد لها أن تطول، ولكنّنا ومن باب الحرص على الثورة والثوار، وغيرة على
ليبيا ووحدتها وسيادتها وأمن أبنائها، وصونا لثورتي تونس ومصر الوليدتين
اللتين تمرّان بمرحلة مفصلية مصيرية، قد تتأثّران سلبا بفعل ما قد تؤول
إليه الأمور في ليبيا، نحسب من واجبنا الأخلاقي والوطني أن نحذّر المعارضة
الليبية وسفرائها من التورّط في مواقف وتصريحات مرتجلة واتفاقات عنوانها
الابتزاز وقسمة المستعمر الضيزى، تكون نتائجها وخيمة، بل وغاية في الخطورة
ليس على الثورة وحجم الدعم الشعبي والعالمي فحسب، بل على مستقبل ليبيا والأمن القومي العربي.
يذكر روبير بيبو،Robert Bibeau ، الباحث والكاتب المعروف، نقلا عن مصدر مطّلع، تفاصيل اللقاء المشار إليه سالفا،كاشفا عن جملة المطالب التي تقدّم بها ممثّلا المجلس والتي شملت:
· التشويش على أنظمة البث والتواصل بين مركز القيادة والتحكم وكتائب الجيش الموالية للقذافي،
· توجيه ضربات صاروخية لأهداف محددة ومنتقاة بعناية،
· قصف
المطارات التي تستخدمها قوات القذافي لتنفيذ هجماته، خاصة مطار قاعدة
سيرت، الذي تنطلق منه أغلب الغارات، وباب العزيزية مركز القيادة والتحكّم
في طرابلس، ومطار سبها القريب من الحدود التشادية الذي يُستخدم لجلب
المرتزقة الذين تشرف عليهم شركات "أمنية" خاصة كالشركة الصهيونية: غلوبال
سي آس تي،
· الاعتراف رسميا بالمعارضة الليبية والمجلس الانتقالي كـ "ممثّل شرعي ووحيد"،
· فرض مناطق حظر جوي على ليبيا.
وكان
أن قبل ساركوزي كل المطالب موضحا لمحاوريه أن الطلب الأخير قد يتعذّر
ضمانه من داخل مجلس الأمن ومتعهّدا أنه سيطلب من الأوروبيين للقيام بعمليات
قصف مشتركة معربا عن عدم رغبته في تدخّل حلف الأطلسي. الرئيس الفرنسي
التزم أيضا بأنه وفي كل الحالات، وإن دعت الضرورة ستتولىّ فرنسا، القيام
بمفردها بمهمة الضربات الجوية الموجّهة.
روبير بيبو يفضح أيضا أن من كان همزة الوصل بين المعارضة الليبية وساركوزي، ليس إلاّ برنارد هنري ليفي،Bernard Henry Levy، الذي هاتف الرئيس
الفرنسي من بنغازي ساعة كان يجالس رئيس المجلس الوطني الانتقالي وناطقه
الرسمي. برنارد هنري ليفي هو من نصح السيد ساركوزي بملاقاة ممثلين من
المجلس، فكان له ما أراد، بل كان من بين الحضور بقصر الإليزيه. وحين سئل عن
الدور الذي يضطلع به، رد قائلا: "أنا على نقيض، يكاد يكون كليا، مع يفعله
ساركوزي هذه الأيام، و في أغلب الأحيان يصدمني، لكنني هذا الصباح أشعر
بالغبطة والفخار بالموقف الذي اتخذه بلدي" !
ليسمح
لنا أعضاء المجلس الوطني الذي قيل لنا أنه " جاء استجابة لمطالب الشعب
الليبي وتحقيقا لإرادته الحرة التي صنعت الثورة الشعبية الحالية" ويعلن أن
من بين أهدافه: " التأكيد على سيادة الشعب الليبي
على كامل أراضيه، والحفاظ على وحدة الشعب والوطن"، أن نطرح جملة من الأسئلة
التي تظلّ تبحث لها عن إجابات عاجلة قبل فوات الأوان:
هل
يعقل أن يتغاضى ممثلو ثوار ليبيا عن تاريخ ساركوزي ومواقفه وسياساته، مهما
بلغت واقعيتهم ومنطقهم البراغماتي؟ هل ثمة من يجهل العلاقات الحميمة
والمشبوهة التي كانت تجمع ساركوزي بالطاغية معمر القذافي، مذ كان الرئيس
الفرنسي وزيرا للداخلية؟ كيف تتناسى المعارضة الليبية أن أول بلد خصّه
ساركوزي بالزيارة الرسمية كان ليبيا، فضلا عن زيارات كارلا بروني المكوكية
أيام وساطتها للإفراج عن الممرضات البلغاريات؟ القذافي لا يبالغ حين يقول
أنه يملك من الأدلة والملفات ما قد يلحق الضرر بمستقبل ساركوزي السياسي. هل
نحن بحاجة لتذكير من يروم تمثيل الجماهير بليبيا بطبيعة العلاقات الفرنسية
الليبية خصوصا في ظل فترة ساركوزي وما بلغه التعاون الأمني بين الطرفين
خصوصا ما تعلّق بملفات التيارات السلفية في المغرب العربي؟ ألم
يقدّم القذافي الخدمات الجليلة لفرنسا لعلّ أهمّها الكشف عن سيارة مفخخة
بأحد شوارع مرسيليا ذات عام 2005 ؟ ثم هل يغفل المجلس الوطني الانتقالي عن
مواقف ساركوزي النيوكولونيالية والمنحازة بالكامل للكيان الصهيوني، ألم
يعتذر للأمريكيين عن موقف شيراك الرافض لغزو العراق والانضمام لقوات تحالف
استفردت بالعراق لتعيث فيه تخريبا وتحوّله إلى الدولة الفاشلة التي تعرفون؟
ألم يركّع العسكرية الفرنسية ويلحقها بالحلف الأطلسي؟ ماذا عن مواقفه من
حركات التحرّر، أليس هو من أرسل البارجة الفرنسية لحماية الكيان الصهيوني
عقب العدوان على غزة؟ ثم لأصحاب الذاكرة القصيرة، كيف كان تعامل حكومته مع
ثورتي تونس ومصر؟ أم أن ثوار بهذين القطرين لا يخضعون لنفس وحدة القياس
النفطية التي تجعل فرنسا نصيرا لثوار هنا ورديفا لأبشع الديكتاتوريات هناك؟
ثم الأدهى والأمرّ، ألم تجد قيادة المجلس الموقّرة غير
برنارد هنري ليفي، عرّاب سياسات الكيان الصهيوني، وصاحب مقولة "مناهضة
الصهيونية هي الوجه الحديث لمعاداة السامية"، وأن "جيش الاحتلال الصهيوني
هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" وان " أطفال غزة هم وقود لمدافع عصابات
إسلامية"، ليكون شاهد الزور على ثورتهم؟ أليس بفرنسا أو بالمجتمع الغربي
وبمناصري قضايا الشعوب غير هذا "الفيلسوف" الصهيوني الدّعي؟
لا
يتحججنّ أحدهم بالريلبوليتيك وشماعات العجز الرسمي العربي وقلّة حيلة
الثوار الذين استدرجهم السفاح القذافي ليحوّل ثورتهم الشعبية السلمية إلى
حرب مسلّحة قد تأتي على الأخضر واليابس أو تشرّع لتدخّل استعماري خارجي أو
لتقسيم البلاد ولتفتيتها.
ألم
يكن حريا بالثوار في ليبيا أن يتوجّهوا للدول العربية والأمم الإسلامية
طلبا للعون والنصرة، لماذا لم يتوجّهوا إلى مصر أو تونس المحرّرتين وصاحبتي
المصلحة في استقرار ليبيا انتصارا لثورتهما أولا، ودفعا لتحوّل ليبيا إلى
صومال مكرّر، ثانيا؟ أليست تركيا أقرب من فرنسا مثلا إذا سلّمنا أن عواصم
العرب قد ضاقت بالمجلس الوطني الانتقالي؟ نحن ندرك جيّدا الظروف العصيبة
التي تمرّ بها الثورة في ليبيا ولكننا ندرك أيضا أن فرنسا، والغرب
الاستعماري عموما، لا يمنحون اعترافاتهم مجانا وأن المواقف المبتزّة سيدفع
الثوار ثمنها عاجلا أو آجلا من استقلاليتهم ومن سيادة ليبيا ومقدّراتها. إن
ساركوزي الذي يقارع الإمبراطورية المتحفّزة يدرك جيدا ثمن، حتى لا نقول
أثمان، خلعه لقب "الممثل الشرعي والوحيد"، ذات اللقب الذي صُفّيت تحت
مضامينه الخاوية، قضية العرب المركزية فلسطين، لمن تخونهم ذاكرتهم وقصر
نظرهم.
لهؤلاء
الذين يناشدون شرعية من ساركوزي وأشباهه نقول: ليس أرقى و لا أشرف من
شرعية الثورة التي يستمدّها الثوار من الجماهير أولا، ومن عدالة قضيتهم
ثانيا. أما ساركوزي فلا يمثّل سوى مصالح فرنسا، ولن يضيره إن تغيّرت رياح
معركة الحسم، واستمرّ الغرب في دعم القذافي بصمته المتواطئ، أن يغير مواقفه
ليصطف وراء الإتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي ويتنكّر كما تنكّر غيره.
تماما كما أن هيلاري كلينتون التي تتعامى على الثائرين بالبحرين، واليمن،
والعراق المحتل لتسارع للقاء بعض الممثلين عن المجلس الوطني بباريس، أو
بتونس لاحقا، لن تفعل أكثر الإصرار على ضمان حصة إمبراطورية الشر المحض في
كعكة المقدرات الليبية التي يسيل لها لعاب "إنسانيون" ، متى تقاطعت إنسانيتهم ومصالحهم ،!à la carte
لا
قيمة لشرعية يعمّدها أمثال برنارد هنري ليفي ويزكّيها أشباه ساركوزي،
الشرعية الحقيقية هي شرعية الثورة التي تنأى بنفسها عن كل شبهة، فهل
تعقلون؟
*باحث في الفكر الستراتيجي، جامعة باريس
منقول
ببالغ القلق والحيرة ما تسرّب من لقاء جمع مبعوثين "للمجلس الوطني
الليبي"، كممثل للمعارضة، بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تمخّض عنه
أوّل اعتراف رسمي مفاده أن المجلس بات "الممثل الشرعي والوحيد" للجماهير
الثائرة بليبيا. الرئيس الفرنسي الذي حاول وضع جميع الأوروبيين أمام أمر
واقع، مستبقا اجتماع أعضاء الإتحاد، لم يفلح في مساعيه وأثار حفيظة أكثر من
عضو. الموقف الأوروبي غير المتحمّس للانزلاق في رمال الصحراء الليبية سواء
بالتدخّل المباشر أو الدعم العسكري اللوجستي، لم يثن من عزم المسؤولين الفرنسيين الذين وعدوا بتبادل
السفراء مع المجلس الجديد، مجدّدين الدعوة لاتخاذ التدابير الضرورية
والتحلّق حول موقف موحّد من المعارضة ومن الأحداث في ليبيا، حاثّين الجميع
نحو المضي باتجاه فتح قنوات حوار مباشرة مع المجلس الانتقالي وإضفاء
الشرعية عليه. خصوصا أن البريطانيين أعلنوا صراحة أن المعارضين الليبين
ليسوا إلاّ "محاورين شرعيين". وبما أن "المملكة المتحدة تعترف فقط بالدول
لا بالحكومات"،كما ورد عن وزارة خارجيتها، فإنّ المجلس الليبي لن ينال
"الشرف" الفرنسي وسيظلّ مجرّد محاور من بين قائمة طويلة من المحاورين، من
ضمنها القذافي نفسه.
لسنا
في باب المزايدات الرخيصة على من يكتوون بنيران كتائب الطاغية وتنكيل
مرتزقته، و لا بصدد كيل الاتهامات جزافا على الثوار الذين يقاتلون على أرض
مكشوفة ودون عمق استراتيجي وفي ظل انعدام توازن عسكري يحول دون حسم سريع لمعركة
يُراد لها أن تطول، ولكنّنا ومن باب الحرص على الثورة والثوار، وغيرة على
ليبيا ووحدتها وسيادتها وأمن أبنائها، وصونا لثورتي تونس ومصر الوليدتين
اللتين تمرّان بمرحلة مفصلية مصيرية، قد تتأثّران سلبا بفعل ما قد تؤول
إليه الأمور في ليبيا، نحسب من واجبنا الأخلاقي والوطني أن نحذّر المعارضة
الليبية وسفرائها من التورّط في مواقف وتصريحات مرتجلة واتفاقات عنوانها
الابتزاز وقسمة المستعمر الضيزى، تكون نتائجها وخيمة، بل وغاية في الخطورة
ليس على الثورة وحجم الدعم الشعبي والعالمي فحسب، بل على مستقبل ليبيا والأمن القومي العربي.
يذكر روبير بيبو،Robert Bibeau ، الباحث والكاتب المعروف، نقلا عن مصدر مطّلع، تفاصيل اللقاء المشار إليه سالفا،كاشفا عن جملة المطالب التي تقدّم بها ممثّلا المجلس والتي شملت:
· التشويش على أنظمة البث والتواصل بين مركز القيادة والتحكم وكتائب الجيش الموالية للقذافي،
· توجيه ضربات صاروخية لأهداف محددة ومنتقاة بعناية،
· قصف
المطارات التي تستخدمها قوات القذافي لتنفيذ هجماته، خاصة مطار قاعدة
سيرت، الذي تنطلق منه أغلب الغارات، وباب العزيزية مركز القيادة والتحكّم
في طرابلس، ومطار سبها القريب من الحدود التشادية الذي يُستخدم لجلب
المرتزقة الذين تشرف عليهم شركات "أمنية" خاصة كالشركة الصهيونية: غلوبال
سي آس تي،
· الاعتراف رسميا بالمعارضة الليبية والمجلس الانتقالي كـ "ممثّل شرعي ووحيد"،
· فرض مناطق حظر جوي على ليبيا.
وكان
أن قبل ساركوزي كل المطالب موضحا لمحاوريه أن الطلب الأخير قد يتعذّر
ضمانه من داخل مجلس الأمن ومتعهّدا أنه سيطلب من الأوروبيين للقيام بعمليات
قصف مشتركة معربا عن عدم رغبته في تدخّل حلف الأطلسي. الرئيس الفرنسي
التزم أيضا بأنه وفي كل الحالات، وإن دعت الضرورة ستتولىّ فرنسا، القيام
بمفردها بمهمة الضربات الجوية الموجّهة.
روبير بيبو يفضح أيضا أن من كان همزة الوصل بين المعارضة الليبية وساركوزي، ليس إلاّ برنارد هنري ليفي،Bernard Henry Levy، الذي هاتف الرئيس
الفرنسي من بنغازي ساعة كان يجالس رئيس المجلس الوطني الانتقالي وناطقه
الرسمي. برنارد هنري ليفي هو من نصح السيد ساركوزي بملاقاة ممثلين من
المجلس، فكان له ما أراد، بل كان من بين الحضور بقصر الإليزيه. وحين سئل عن
الدور الذي يضطلع به، رد قائلا: "أنا على نقيض، يكاد يكون كليا، مع يفعله
ساركوزي هذه الأيام، و في أغلب الأحيان يصدمني، لكنني هذا الصباح أشعر
بالغبطة والفخار بالموقف الذي اتخذه بلدي" !
ليسمح
لنا أعضاء المجلس الوطني الذي قيل لنا أنه " جاء استجابة لمطالب الشعب
الليبي وتحقيقا لإرادته الحرة التي صنعت الثورة الشعبية الحالية" ويعلن أن
من بين أهدافه: " التأكيد على سيادة الشعب الليبي
على كامل أراضيه، والحفاظ على وحدة الشعب والوطن"، أن نطرح جملة من الأسئلة
التي تظلّ تبحث لها عن إجابات عاجلة قبل فوات الأوان:
هل
يعقل أن يتغاضى ممثلو ثوار ليبيا عن تاريخ ساركوزي ومواقفه وسياساته، مهما
بلغت واقعيتهم ومنطقهم البراغماتي؟ هل ثمة من يجهل العلاقات الحميمة
والمشبوهة التي كانت تجمع ساركوزي بالطاغية معمر القذافي، مذ كان الرئيس
الفرنسي وزيرا للداخلية؟ كيف تتناسى المعارضة الليبية أن أول بلد خصّه
ساركوزي بالزيارة الرسمية كان ليبيا، فضلا عن زيارات كارلا بروني المكوكية
أيام وساطتها للإفراج عن الممرضات البلغاريات؟ القذافي لا يبالغ حين يقول
أنه يملك من الأدلة والملفات ما قد يلحق الضرر بمستقبل ساركوزي السياسي. هل
نحن بحاجة لتذكير من يروم تمثيل الجماهير بليبيا بطبيعة العلاقات الفرنسية
الليبية خصوصا في ظل فترة ساركوزي وما بلغه التعاون الأمني بين الطرفين
خصوصا ما تعلّق بملفات التيارات السلفية في المغرب العربي؟ ألم
يقدّم القذافي الخدمات الجليلة لفرنسا لعلّ أهمّها الكشف عن سيارة مفخخة
بأحد شوارع مرسيليا ذات عام 2005 ؟ ثم هل يغفل المجلس الوطني الانتقالي عن
مواقف ساركوزي النيوكولونيالية والمنحازة بالكامل للكيان الصهيوني، ألم
يعتذر للأمريكيين عن موقف شيراك الرافض لغزو العراق والانضمام لقوات تحالف
استفردت بالعراق لتعيث فيه تخريبا وتحوّله إلى الدولة الفاشلة التي تعرفون؟
ألم يركّع العسكرية الفرنسية ويلحقها بالحلف الأطلسي؟ ماذا عن مواقفه من
حركات التحرّر، أليس هو من أرسل البارجة الفرنسية لحماية الكيان الصهيوني
عقب العدوان على غزة؟ ثم لأصحاب الذاكرة القصيرة، كيف كان تعامل حكومته مع
ثورتي تونس ومصر؟ أم أن ثوار بهذين القطرين لا يخضعون لنفس وحدة القياس
النفطية التي تجعل فرنسا نصيرا لثوار هنا ورديفا لأبشع الديكتاتوريات هناك؟
ثم الأدهى والأمرّ، ألم تجد قيادة المجلس الموقّرة غير
برنارد هنري ليفي، عرّاب سياسات الكيان الصهيوني، وصاحب مقولة "مناهضة
الصهيونية هي الوجه الحديث لمعاداة السامية"، وأن "جيش الاحتلال الصهيوني
هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" وان " أطفال غزة هم وقود لمدافع عصابات
إسلامية"، ليكون شاهد الزور على ثورتهم؟ أليس بفرنسا أو بالمجتمع الغربي
وبمناصري قضايا الشعوب غير هذا "الفيلسوف" الصهيوني الدّعي؟
لا
يتحججنّ أحدهم بالريلبوليتيك وشماعات العجز الرسمي العربي وقلّة حيلة
الثوار الذين استدرجهم السفاح القذافي ليحوّل ثورتهم الشعبية السلمية إلى
حرب مسلّحة قد تأتي على الأخضر واليابس أو تشرّع لتدخّل استعماري خارجي أو
لتقسيم البلاد ولتفتيتها.
ألم
يكن حريا بالثوار في ليبيا أن يتوجّهوا للدول العربية والأمم الإسلامية
طلبا للعون والنصرة، لماذا لم يتوجّهوا إلى مصر أو تونس المحرّرتين وصاحبتي
المصلحة في استقرار ليبيا انتصارا لثورتهما أولا، ودفعا لتحوّل ليبيا إلى
صومال مكرّر، ثانيا؟ أليست تركيا أقرب من فرنسا مثلا إذا سلّمنا أن عواصم
العرب قد ضاقت بالمجلس الوطني الانتقالي؟ نحن ندرك جيّدا الظروف العصيبة
التي تمرّ بها الثورة في ليبيا ولكننا ندرك أيضا أن فرنسا، والغرب
الاستعماري عموما، لا يمنحون اعترافاتهم مجانا وأن المواقف المبتزّة سيدفع
الثوار ثمنها عاجلا أو آجلا من استقلاليتهم ومن سيادة ليبيا ومقدّراتها. إن
ساركوزي الذي يقارع الإمبراطورية المتحفّزة يدرك جيدا ثمن، حتى لا نقول
أثمان، خلعه لقب "الممثل الشرعي والوحيد"، ذات اللقب الذي صُفّيت تحت
مضامينه الخاوية، قضية العرب المركزية فلسطين، لمن تخونهم ذاكرتهم وقصر
نظرهم.
لهؤلاء
الذين يناشدون شرعية من ساركوزي وأشباهه نقول: ليس أرقى و لا أشرف من
شرعية الثورة التي يستمدّها الثوار من الجماهير أولا، ومن عدالة قضيتهم
ثانيا. أما ساركوزي فلا يمثّل سوى مصالح فرنسا، ولن يضيره إن تغيّرت رياح
معركة الحسم، واستمرّ الغرب في دعم القذافي بصمته المتواطئ، أن يغير مواقفه
ليصطف وراء الإتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي ويتنكّر كما تنكّر غيره.
تماما كما أن هيلاري كلينتون التي تتعامى على الثائرين بالبحرين، واليمن،
والعراق المحتل لتسارع للقاء بعض الممثلين عن المجلس الوطني بباريس، أو
بتونس لاحقا، لن تفعل أكثر الإصرار على ضمان حصة إمبراطورية الشر المحض في
كعكة المقدرات الليبية التي يسيل لها لعاب "إنسانيون" ، متى تقاطعت إنسانيتهم ومصالحهم ،!à la carte
لا
قيمة لشرعية يعمّدها أمثال برنارد هنري ليفي ويزكّيها أشباه ساركوزي،
الشرعية الحقيقية هي شرعية الثورة التي تنأى بنفسها عن كل شبهة، فهل
تعقلون؟
*باحث في الفكر الستراتيجي، جامعة باريس
منقول
الأحد يونيو 05, 2011 4:25 pm من طرف محمد عبد المغني
» ألمانيا تحث مجلس الأمن الدولي على معالجة الوضع في اليمن في أسرع وقت ممكن
الإثنين مايو 09, 2011 5:14 pm من طرف مروان عبدالمغني
» فارس مناع : نؤكد وقوفنا إلى جانب الثورة .. وصعده جزء لا يتجزأ من اليمن الموحد
الإثنين مايو 09, 2011 5:12 pm من طرف مروان عبدالمغني
» ائتلاف الشهيد على عبد المغني
الأحد مايو 01, 2011 6:19 am من طرف محمد نبيل عبدالمغني
» ائتلاف الشهيد على عبد المغني
الأحد مايو 01, 2011 6:08 am من طرف محمد نبيل عبدالمغني
» رد الاحساس على زيرالمحبه
السبت أبريل 23, 2011 10:15 pm من طرف مروان عبدالمغني
» ساحة التغيير : يمني يصنع طائرة صغيرة استعداداُ لرحيل الرئيس صالح ( صور )
الأربعاء أبريل 20, 2011 5:01 pm من طرف محمد عبد المغني
» اجتماع استثنائي لدول مجلس التعاون في ابو ظبي لبحث أوضاع اليمن
الأربعاء أبريل 20, 2011 4:59 pm من طرف محمد عبد المغني
» مجلس الأمن الدولي يعقد أول اجتماعا له حول الأزمة اليمنية
الأربعاء أبريل 20, 2011 4:57 pm من طرف محمد عبد المغني