مظاهرة يمنية عربية أمام البيت الأبيض
أول
زيارة لي للعاصمة الأمريكية واشنطن كانت قبل أيام ، وقد حرصتُ على
الانتقال فورا من المطار إلى الساحة المجاورة للبيت الأبيض للمشاركة في
تظاهرة يمنية عربية تطالب بالتغيير وبإسقاط ديكتاتوريات عربية في مقدمها
صالح والقذافي إضافة إلى أنظمة كهنوتية عربية كنظامي السعودية والبحرين
وغيرهما.
كان
المشهد بالنسبة لي لافتاً ومعبراً ، فاختيار المكان للتظاهر لا يخلو من
رمزية حركت في الرأس عدداً من الأفكار المتهافتة ، فلقد كنتُ أمعن النظر
إلى البيت الأبيض الرابض في تلك الساحة وأجده عادياً من الناحية المادية
والحسية قياساً برمزيته وقيمته المعنوية ، وهنا
يكمن الفرق بين حكام وحكومات ودول تكتب تاريخها وتحترمه ومن ثم تختزل
محطاته بمجموعة قيم مهما اختلفنا معها ، وبين حكام وحكومات ودول تحول
الرمزية إلى بضاعة والقيمة التاريخية إلى مادة فيسهل نهب كل شيء والاستخفاف
بكل شيء بمافي ذلك السيادة الوطنية وصولا إلى تدمير الروح في جسد كل شيء
من حولنا إلى أن يتحول كرسي الرئاسة وقصر الرئاسة بفعل المكوث فيه لعقود
متوالية من قبل شخص أو أسرة إلى مادة للتندر ومبعث للسخرية .
إن الخشية الامريكية من تعرض البيت الأبيض أو مبنى الكونغرس أو البنتاغون لأي هجوم لاتنبع
نهائياً من منطلق مادي ، فهذه المباني كما رأيتها من الخارج خلال زيارتي
تبدو في مستوى طبيعي جداً .. إن القيمة تكمن في الرمزية ، وبكل تأكيد لو
حدث شيء في واشنطن كالذي حدث في تونس ومصر وسيحدث في ليبيا واليمن
والسعودية والبحرين وغيرها لن يجد المقتحمون للبيت الأبيض بداخله صناديقاً
من الذهب والألماس والدولارات واليوروهات وغيرها من الكنوز المسروقة مكدسة
هناك ، فالرئيس الامريكي الذي ينام ساعات قليلة جداً ليمارس دوره كزعيم
وقائد وحارس لمصالح شعبه ووطنه طوال اليوم ليس هو الرئيس العربي الذي ينام
لعقود طويلة عن كل مصالح بلده في مقابل يقظة مستمرة باتجاه سرقة المال
العام ونهب الثروة وتأمين مصالح ذاتية وشخصية له ولأسرته التي أتت من بين
أوساط الشعب بل من أردأ صفوفه لتتمتع بقدسية وحصانة مصنوعة من الوهم وقلة
الحياء والاستعلاء المعبر عن عقدة النقص الكامنة في دواخلهم .
لم
يكن عدد المتظاهرين أمام البيت الأبيض كبيراً فهذا ليس مهماً ، لأن الغرض
من المظاهرة كيفي وليس كمي . إنها نوع إحياء للقيمة الرمزية لأشيائنا التي
مسخوها وحولوها إلى ذكريات بائدة .
النقطة
اللافتة والأهم كان يحكيها اختلاط الأعلام العربية مع بعضها والشعارات
العربية مع بعضها بلهجات عربية مختلفة وبلغة عربية فصحى جامعة لها أيضاً
فضلا عن استخدام اللغة الانكليزية في اللوحات لإيصال الرسالة لسيد البيت
الأبيض ولشعبه الذي كان يمر من أمام التظاهرة مترددا بين حالات الاندهاش
وبين الابتسام وبين التحول إلى المشاركة في بعض الحالات ، وفي المجمل تبدو
النظرة الأجنبية النمطية للشعوب العربية قد تغيرت ولسوف تتغير أكثر مع نجاح
باقي الثورات العربية وصولا إلى تحقيق الحلم العربي بإعادة الاعتبار للغة
العربية والوحدة العربية التي لا تلغي أي قومية أخرى بل تتعايش معها
وتتكامل مع غيرها ، فالشباب اليوم يرسم لوحة مفصلية في تاريخنا ستؤدي إلى
وضع الخطى على عتبة استعادة الحياة والمضي نحو التقدم ومواكبة التحولات
العالمية واللحاق بركب الأمم التي نهضت من فوق ركام الحروب والدمار لتصنع
أمجاداً من العدم .
إن
اختلاط الأعلام والشعارات العربية في مظاهرة واحدة كان بالغ التعبير عن
الرغبة في استعادة حلم الوحدة العربية بعد أن دمروها سياسياً وأوشكت على
الانتهاء ثقافياً أيضاً بفعل سياسة ممنهجة لحكام "متصهينين" يبذلون كل ما
بوسعهم لتحقيق أجندات الأعداء في مقابل السماح لهم بسلب ثروات الشعوب وسلب
إرادتها في العيش بكرامة وحرية دون أن يدركوا أن التغيير سنة كونية ستأتي
بهم وعلى أبشع صورة .
نقطة
أخرى لفتتني في التظاهرة أمام البيت الأبيض وهي مشاركة مصريين وتوانسة
فالثمار التي حُصدت في هذين البلدين بإسقاط بن علي ومبارك ليست كل شيء
اليوم ، أحدهم قال لي وهو في ذروة حماسه بأنه مصري عربي ويدعم إسقاط
القذافي وصالح وبقية الأنظمة الكهنوتية المتخلفة وكان يرفع لوحة تبدو فيها
صورة القذافي وهو أشبه بمصاص دماء .
هذه
لفتة أخرى دلّت على أن الثورة العربية تستعيد ألقها بروح شبابية عصرية
مختلفة وحلم الوحدة العربية يبحث له اليوم حثيثاً وجاداً عن مكان حقيقي في
خارطة الواقع .
أخيراً
، كتبت هذا المقال في السماء على متن الطائرة في طريق عودتي ، وأملي لا
ينضب بأن تتحقق آمال الشباب وتنتصر ثورتهم المباركة نصراً ملء الأرض
والسماء .
تذكرتُ أن الأرض تتكلم عربي ولن أنسى أبداً بأن السماء من قبل ومن بعد تتكلم عربي .
عن صحيفة اليقين الأسبوعية
منقول
أول
زيارة لي للعاصمة الأمريكية واشنطن كانت قبل أيام ، وقد حرصتُ على
الانتقال فورا من المطار إلى الساحة المجاورة للبيت الأبيض للمشاركة في
تظاهرة يمنية عربية تطالب بالتغيير وبإسقاط ديكتاتوريات عربية في مقدمها
صالح والقذافي إضافة إلى أنظمة كهنوتية عربية كنظامي السعودية والبحرين
وغيرهما.
كان
المشهد بالنسبة لي لافتاً ومعبراً ، فاختيار المكان للتظاهر لا يخلو من
رمزية حركت في الرأس عدداً من الأفكار المتهافتة ، فلقد كنتُ أمعن النظر
إلى البيت الأبيض الرابض في تلك الساحة وأجده عادياً من الناحية المادية
والحسية قياساً برمزيته وقيمته المعنوية ، وهنا
يكمن الفرق بين حكام وحكومات ودول تكتب تاريخها وتحترمه ومن ثم تختزل
محطاته بمجموعة قيم مهما اختلفنا معها ، وبين حكام وحكومات ودول تحول
الرمزية إلى بضاعة والقيمة التاريخية إلى مادة فيسهل نهب كل شيء والاستخفاف
بكل شيء بمافي ذلك السيادة الوطنية وصولا إلى تدمير الروح في جسد كل شيء
من حولنا إلى أن يتحول كرسي الرئاسة وقصر الرئاسة بفعل المكوث فيه لعقود
متوالية من قبل شخص أو أسرة إلى مادة للتندر ومبعث للسخرية .
إن الخشية الامريكية من تعرض البيت الأبيض أو مبنى الكونغرس أو البنتاغون لأي هجوم لاتنبع
نهائياً من منطلق مادي ، فهذه المباني كما رأيتها من الخارج خلال زيارتي
تبدو في مستوى طبيعي جداً .. إن القيمة تكمن في الرمزية ، وبكل تأكيد لو
حدث شيء في واشنطن كالذي حدث في تونس ومصر وسيحدث في ليبيا واليمن
والسعودية والبحرين وغيرها لن يجد المقتحمون للبيت الأبيض بداخله صناديقاً
من الذهب والألماس والدولارات واليوروهات وغيرها من الكنوز المسروقة مكدسة
هناك ، فالرئيس الامريكي الذي ينام ساعات قليلة جداً ليمارس دوره كزعيم
وقائد وحارس لمصالح شعبه ووطنه طوال اليوم ليس هو الرئيس العربي الذي ينام
لعقود طويلة عن كل مصالح بلده في مقابل يقظة مستمرة باتجاه سرقة المال
العام ونهب الثروة وتأمين مصالح ذاتية وشخصية له ولأسرته التي أتت من بين
أوساط الشعب بل من أردأ صفوفه لتتمتع بقدسية وحصانة مصنوعة من الوهم وقلة
الحياء والاستعلاء المعبر عن عقدة النقص الكامنة في دواخلهم .
لم
يكن عدد المتظاهرين أمام البيت الأبيض كبيراً فهذا ليس مهماً ، لأن الغرض
من المظاهرة كيفي وليس كمي . إنها نوع إحياء للقيمة الرمزية لأشيائنا التي
مسخوها وحولوها إلى ذكريات بائدة .
النقطة
اللافتة والأهم كان يحكيها اختلاط الأعلام العربية مع بعضها والشعارات
العربية مع بعضها بلهجات عربية مختلفة وبلغة عربية فصحى جامعة لها أيضاً
فضلا عن استخدام اللغة الانكليزية في اللوحات لإيصال الرسالة لسيد البيت
الأبيض ولشعبه الذي كان يمر من أمام التظاهرة مترددا بين حالات الاندهاش
وبين الابتسام وبين التحول إلى المشاركة في بعض الحالات ، وفي المجمل تبدو
النظرة الأجنبية النمطية للشعوب العربية قد تغيرت ولسوف تتغير أكثر مع نجاح
باقي الثورات العربية وصولا إلى تحقيق الحلم العربي بإعادة الاعتبار للغة
العربية والوحدة العربية التي لا تلغي أي قومية أخرى بل تتعايش معها
وتتكامل مع غيرها ، فالشباب اليوم يرسم لوحة مفصلية في تاريخنا ستؤدي إلى
وضع الخطى على عتبة استعادة الحياة والمضي نحو التقدم ومواكبة التحولات
العالمية واللحاق بركب الأمم التي نهضت من فوق ركام الحروب والدمار لتصنع
أمجاداً من العدم .
إن
اختلاط الأعلام والشعارات العربية في مظاهرة واحدة كان بالغ التعبير عن
الرغبة في استعادة حلم الوحدة العربية بعد أن دمروها سياسياً وأوشكت على
الانتهاء ثقافياً أيضاً بفعل سياسة ممنهجة لحكام "متصهينين" يبذلون كل ما
بوسعهم لتحقيق أجندات الأعداء في مقابل السماح لهم بسلب ثروات الشعوب وسلب
إرادتها في العيش بكرامة وحرية دون أن يدركوا أن التغيير سنة كونية ستأتي
بهم وعلى أبشع صورة .
نقطة
أخرى لفتتني في التظاهرة أمام البيت الأبيض وهي مشاركة مصريين وتوانسة
فالثمار التي حُصدت في هذين البلدين بإسقاط بن علي ومبارك ليست كل شيء
اليوم ، أحدهم قال لي وهو في ذروة حماسه بأنه مصري عربي ويدعم إسقاط
القذافي وصالح وبقية الأنظمة الكهنوتية المتخلفة وكان يرفع لوحة تبدو فيها
صورة القذافي وهو أشبه بمصاص دماء .
هذه
لفتة أخرى دلّت على أن الثورة العربية تستعيد ألقها بروح شبابية عصرية
مختلفة وحلم الوحدة العربية يبحث له اليوم حثيثاً وجاداً عن مكان حقيقي في
خارطة الواقع .
أخيراً
، كتبت هذا المقال في السماء على متن الطائرة في طريق عودتي ، وأملي لا
ينضب بأن تتحقق آمال الشباب وتنتصر ثورتهم المباركة نصراً ملء الأرض
والسماء .
تذكرتُ أن الأرض تتكلم عربي ولن أنسى أبداً بأن السماء من قبل ومن بعد تتكلم عربي .
عن صحيفة اليقين الأسبوعية
منقول
الأحد يونيو 05, 2011 4:25 pm من طرف محمد عبد المغني
» ألمانيا تحث مجلس الأمن الدولي على معالجة الوضع في اليمن في أسرع وقت ممكن
الإثنين مايو 09, 2011 5:14 pm من طرف مروان عبدالمغني
» فارس مناع : نؤكد وقوفنا إلى جانب الثورة .. وصعده جزء لا يتجزأ من اليمن الموحد
الإثنين مايو 09, 2011 5:12 pm من طرف مروان عبدالمغني
» ائتلاف الشهيد على عبد المغني
الأحد مايو 01, 2011 6:19 am من طرف محمد نبيل عبدالمغني
» ائتلاف الشهيد على عبد المغني
الأحد مايو 01, 2011 6:08 am من طرف محمد نبيل عبدالمغني
» رد الاحساس على زيرالمحبه
السبت أبريل 23, 2011 10:15 pm من طرف مروان عبدالمغني
» ساحة التغيير : يمني يصنع طائرة صغيرة استعداداُ لرحيل الرئيس صالح ( صور )
الأربعاء أبريل 20, 2011 5:01 pm من طرف محمد عبد المغني
» اجتماع استثنائي لدول مجلس التعاون في ابو ظبي لبحث أوضاع اليمن
الأربعاء أبريل 20, 2011 4:59 pm من طرف محمد عبد المغني
» مجلس الأمن الدولي يعقد أول اجتماعا له حول الأزمة اليمنية
الأربعاء أبريل 20, 2011 4:57 pm من طرف محمد عبد المغني